مصر: "عروسة المولد" تتفوق على "الصينية"! |
القاهرة - محمد جمال عرفة – إسلام أون لاين.نت/ 22-5-2002 |
يمتاز المصريون بتحويل غالبية أعيادهم إلى مناسبات لتوزيع الحلوى، أو أنواع معينة من الأطعمة، ويُشتهر المولد النبوي بين المصريين بحلوى المولد المصنوعة من السكر والمكسرات، كما يُشتهر بـ"عروسة المولد".
أما ذكرى عاشوراء فترتبط بحلوى قمح "العاشورة" المصنوعة من النشا والقمح والسكر واللبن.
وقد اعتاد المصريون في ذكرى المولد النبوي الذي يوافق يوم 12 ربيع الأول من كل عام هجري على شراء "عروسة المولد" المصنوعة من الحلوى، وهي قطعة من الحلوى تكون على شكل عروسة صغيرة مزينة بالألوان وأوراق الكروشيه، كي يلهو بها الأطفال، وظلت هذه العادة سائدة حتى بدأ الغزو الصيني للسوق المصرية منذ ثلاثة أعوام، وهو الغزو الذي امتد إلى كل ما يستهلكه المصريون، ووصل الأمر إلى فانوس رمضان، ثم عروسة المولد.
وقد بدأت العديد من مصانع حلوى المولد الاستغناء عن صنع "عروسة المولد" و"العسكري" الشهير الجالس فوق حصانه، والمصنوع أيضا من الحلوى، والاستعاضة عنه بعروسة بلاستيك صينية، تضاف لها نفس زينة العروسة المصنوعة من الحلوى، خصوصا بعدما بدأت السلطات الصحية المصرية تحذر من المخاطر الصحية لعروسة المولد المصنوعة من السكر، بسبب رداءة المصانع التي تنتجها، وما قد تسببه من نقل للميكروبات والأمراض.
ولكن الجديد هذا العام هو عودة عروسة الحلوى لتنافس بقوة عروسة الصين البلاستيكية، وانتشارها في محال بيع حلوى المولد، خصوصا في الأحياء الشعبية.
وحول هذا التطور تحديدا، يقول أصحاب متاجر بيع الحلوى: إن إقبال المصريين على العروسة الصينية ضعيف، ويقتصر على الأغنياء، أما غالبية المصريين فيفضلون شراء عروسة الحلوى؛ لأنها هي الأصل، ويفرح الأطفال بالتهامها رغم التحذيرات الصحية.
ويقول التجار: إن عروسة العام الحالي مختلفة نسبيا من حيث جودة تصنيعها، خصوصا في ضوء الحملات المشددة، التي تقوم بها أجهزة وزارتي الصحة والتموين المصريتين على المصانع والأسواق.
وكان وزير الصحة المصري قد أصدر أوامر مشددة بمراقبة عملية صناعة الحلوى، تصنيعا وتخزينا وعرضا، وأخذ العينات من أماكن البيع لتحليلها دوريا.
عروسة المولد
ويستغرب خبراء اقتصاديون من إقبال المصريين على حلوى المولد، وإنفاق كل رب أسرة مبالغ كبيرة عليها، بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، وهم يحارون في تفسير هذه الظاهرة، خصوصا مع ارتفاع الأسعار، التي تتفاوت بين ما يعادل دولارا واحدا لكيلو الحلوى في المناطق الشعبية وما يعادل عشرة دولارات في الأحياء الراقية، وقد يصل - بحسب جودته - إلى 20 دولارا ( 100 جنيه مصري).
وقال محلل اقتصادي مصري لوكالة " قدس برس": إن حلوى المولد وأعياد المصريين تتحدى الأزمة الاقتصادية، لدرجة أن البعض يقترض لشراء الحلوى وبقية مستلزمات الأعياد.
ولا يعني هذا أن الإقبال كبير على شراء الحلوى، إذ يشكو أصحاب العديد من المتاجر من ضعف الإقبال.
زحام وحلوى
ومن خلال جولة في الأسواق تبين لمراسل وكالة "قدس برس" أن الإقبال والزحام الشديدين يظهران بوضوح على بعض المحال الشهيرة في وسط المدينة أو في الأحياء الراقية، رغم ارتفاع الأسعار بشكل غير عادي، أو على محال أخرى مشهورة ببيع الحلوى بأسعار تقل كثيرا عن سعر السوق؛ إذ يصل سعر الكيلو الواحد إلى أقل من دولار.
ولا يرتبط المولد النبوي لدى المصريين بالحلوى فقط، بل تمتلئ الميادين في جميع مدن مصر، خاصة في القاهرة، بالرواد، خصوصا في مساجد الأولياء الصالحين، كمسجد الإمام الحسين والسيدة زينب، وتقام سرادقات لزوار هذه المساجد من مختلف قرى مصر، وينتشر معها الباعة الجوالون والألعاب، كما تكثر الطرق الصوفية، وتجوب الشوارع بأعلامها الشهيرة في استعراضات لافتة.
ومن أشهر أنواع الحلوى التي تنتشر في المولد "السمسمية" و"الحمصية" و"الفولية" و"الملبن" المحشو بالمكسرات وجوز الهند، وعشرات الأنواع الأخرى… أما عرائس الموالد فتختلف أنواعها بين الأحياء والأماكن، وأشهرها "العروس الملاك" و"الأميرة" و"سندريلا" و"العروس الفراشة" التقليدية التي تزين بأشكال جميلة مزودة بفانوس كبير في الداخل يجعلها تضيء.
تاريخ الاحتفال
وتقول المراجع التاريخية المصرية: إن الفاطميين الذين جاءوا إلى مصر من بلاد المغرب، على يد قائدهم "جوهر الصقلي" هم أول من أحيا الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف وصنع الحلوى بهذه المناسبة، وهو ما يجري عليه الحال الآن في مصر.
فقد كان الفاطميون ممن يعظم آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، وينسبون أنفسهم إلى السيدة "فاطمة الزهراء" ابنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وزوجة الإمام علي بن أبي طالب، ولهذا اهتموا بإحياء المناسبات والأعياد الإسلامية خاصة موالد آل البيت والمولد النبوي الشريف.
وعندما جعل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله مدينة القاهرة عاصمة خلافته، أمر بإقامة أول احتفال بالمولد النبوي الشريف عام 973هـ.
وقد ذكر العلامة المقريزي في خططه الاحتفالات التي اهتم الفاطميون بها، وهي الموالد الستة، وفصّلها بأنها مولد الإمام الحسين (5 ربيع الأول)، ومولد السيدة فاطمة الزهراء (20 جمادى الآخرة)، ومولد الإمام علي (13 رجب)، ومولد الإمام الحسن (15 رمضان)، ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم (12 ربيع الأول)، وأخيرًا مولد الخليفة الحاكم للبلاد.
وعندما تولى الأيوبيون - وهم من السُنة - الحكم في مصر سعوا لتغيير العديد من العادات والاحتفالات التي أقامها الفاطميون، في محاولة لمحو نفوذ الفاطميين الذين كانوا على مذهب الشيعة من مصر، ولكن محاولاتهم إلغاء احتفالات المصريين بالموالد عموما فشلت فشلا ذريعا، واستمرت هذه الاحتفالات حتى اليوم.
ويذكر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية على مصر، أن نابليون بونابرت اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة 1213هـ الموافق لـ1798م، من خلال إرسال نفقات الاحتفالات وقدرها 300 ريال فرنسي، إلى منزل الشيخ البكري (نقيب الأشراف في مصر) بحي الأزبكية، وأُرسلت أيضًا إليه الطبول الضخمة والقناديل.. وفي الليل أقيمت الألعاب النارية، احتفالاً بالمولد النبوي، وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقوادها، لكن ذلك فشل في تحقيق أي نتيجة ودحرت حملة نابليون دحرا بقيادة علماء الأزهر الشريف.