بابايا
الدهشة والشاعرية، التي أبداها كريستوفر كولومبس حينما ذاق لأول مرة طعم فاكهة البابايا كانت أكثر من المتوقع،
حيث سماها «فاكهة الملائكة».
وكان رواة مغامرات الرحلات البحرية قد ذكروا تفاصيل للقصة، تبرر المقولة تلك، ومفادها أن كولومبس تناول البابايا بعد عناء خوضه مع رفاقه عباب البحار والعواصف، وبلوغ الإنهاك والتعب مداه بهم.
وأنه ذاق طعم الرحمة والأمان بتناوله لتلك القطع من فاكهة، برتقالية اللب، لم يعرفها من قبل، مما دفعه لنصيحة بحارته أن يُقبِلوا عليها ويتناولوها آنذاك، بل أن يجلبوا منها لسفينتهم كي ينقلها للناس في أوروبا.
هذه الأسطورة ربطت بين البابايا وتخفيف حدة المعاناة من الجهد والتعب. ولقائل أن يقول أي شيء رطب وبارد يتناوله المرء في تلك الحالة قد يُعطي نفس الشعور، لكن ما يُقال اليوم في الأوساط العلمية حول البابايا وفوائدها يجعلنا نجد عبارة كولومبس فوق أنها لامست شيئاً من الحقيقة، إلا أنها لم تكن كافية كي تُوفي حق تلك الفاكهة الاستوائية.
والموطن الأصلي لفاكهة البابايا هو أميركا الوسطى وجزرها. ومنها نقل الإسبان والبرتغاليون أشجار تلك الفاكهة إلى مناطق ذات طبيعية مناخية مشابهة لجزر الكاريبي. وانتشرت بالتالي في الفلبين وبقية مناطق جنوب شرقي آسيا، وأيضاً في الهند وأجزاء من أفريقيا. إلا أن المكسيك وبورتوريكو وجزر هاواي في الولايات المتحدة، لا تزال من أهم مناطق العالم إنتاجاً للبابايا. وتأتينا اليوم فاكهة البابايا طوال العام، لأن أشجارها، وإن كانت أكثر كرماً في الصيف وبدايات الخريف، إلا أنها تُعطي تلك الثمار على مدار العام.
فاكهة استوائية
البابايا فاكهة كروية أو بيضاوية الشكل، قد يصل طولها إلى 40 سنتيمترا. إلا أن الغالب منها يُشبه في حجمه ثمار الشمام والكنتلوب، لتزن الواحدة منها، بالعادة، ما يزيد أو ينقص شيئاً قليلاً عن حوالي الرطل. وبالرغم من اللون الأخضر أو الأخضر المشوب بصفرة المغلف لطبقة قشرتها الخارجية المتوسطة السُمْك، إلا أن لون لبها الحلو الطعم، يتموج ليأخذ مزيجاً بين لون لب المانغو ولب القرع.
وهو يُعطينا، عند شق الثمرة طولياً إلى نصفين، مظهر لون مشاعل من اللهب صادرة عن طبقة من البذور السوداء، المصفوفة على طول قلب الثمرة.
وأول ما يميز هذه الثمار، العادية في مظهرها الخارجي والأنيقة في شكلها الداخلي، هو احتواؤها على مادة باباين papain * الكيميائية. وتتركز كميات هذه المادة في الثمار بشكل أكبر، وخاصة الناضجة منها، بالمقارنة مع نسبة وجودها في الأجزاء الأخرى لشجرة البابايا.
وباباين مادة كيميائية تُصنف لدى الباحثين كـ«أنزيم». والأنزيمات كما هو معلوم عبارة عن مواد كيميائية لها قدرة العمل على إتمام تفاعل كيميائي ما. ومن أهم ما تفعله هذه المادة الموجودة في الثمار الناضجة للبابايا، حال وصولها إلى المعدة والأمعاء، القيام بالمساهمة في الإسراع بهضم البروتينات التي نتناولها في وجبات الطعام، وعلى وجه الخصوص تلك البروتينات المعقدة في اللحوم.
ولذا فإن بعض شركات إنتاج العلك، تستخلص هذه المادة من مصادرها النباتية، لتضيفها إلى أنواع من العلك التي تروّج لاستخدامه بعد الفراغ من تناول وجبات الطعام المحتوية على لحوم. لكن عمل هذا الأنزيم، وأنزيم آخر يُدعى «شايموباباينش chymopapain موجود في تلك الثمار أيضاً، لا يقتصر على هضم بروتينات الطعام في الجهاز الهضمي، بل يتجاوز ذلك للحد من نشاط عمليات الالتهابات، في المفاصل وغيرها، وتسهيل شفاء الجروح وقروح الحروق.