جيران أم جدران؟
الجيران اليوم كالجدران «لا حس ولا خبر»، فلا احد
يعرف عن جاره شيئا حتى اسمه. وقد عرض برنامج
تلفزيوني قبل فترة يحمل عنوان «جيران ام جدران»،
كشف عن حالة الجيران اليوم. فقد اورد البرنامج قصة
حدثت في المملكة العربية السعودية، وفي الرياض تحديدا،
حول رجل اعتاد ترك زوجته وابنائه الستة في البيت
ويذهب الى العمل. وكانت زوجته حاملا في شهرها
الاخير، فاتفق معها ان تتصل به فيما لو شعرت باعراض
الولادة. وهو ما حدث بالفعل، حيث حضر الزوج مسرعا
عندما اتصلت به زوجته ليأخذها إلى المستشفى. وغادرا
المنزل بعد أن اقفل الباب على ابنائه الصغار بالمفتاح،
وهؤلاء الابناء صغار وبين الواحد والآخر عام فقط، ولم
يكن معهم احد في المنزل. ونسي الزوج من لهفته ان يخبر
احدا من اخوات الزوجة الموجودات في العاصمة الرياض،
لتذهب احداهن الى المنزل لتكون برفقة الصغار، اذ ان
علاقاته بجيرانه كانت مقطوعة ولا احد منهم يعرف عنه شيئا..
المهم ان هذا الرجل عندما خرج مسرعا اصطدم بسيارة
اخرى، وتوفي في الحال، فيما نقلت زوجته الى المستشفى
بين الحياة والموت، وأدخلت غرفة العناية المركزة. وبعد
ثلاثة ايام افاقت الزوجة وتذكرت ابناءها الستة الصغار
الذين لا يستطيعون الاكل والشرب بمفردهم، فأخذت
تصرخ بعد ان افاقت على هذه الكارثة وفقدت جنينها.
وعندما ابلغت اهلها ذهبوا وكسروا الباب ليجدوا الصغار
بقربه وقد فارقوا الحياة بسبب الجوع والعطش. وبعد
التحقيق وسؤال الجيران عن حال منزل جارهم، قالوا: كنا
نسمع اطفالا صغارا يبكون ويصرخون، ونعتقد انهم يلعبون
واحيانا نقول كم هم اطفال مزعجون لا يوجد من يروضهم ويربيهم..
ولم يتصور احد انهم وحدهم، وذهب هؤلاء الصغار ضحية
انعدام العلاقات مع الجيران، اذ ان الجار لا يمكن ان يستغني عن جاره.
هذه القصة وغيرها من القصص آلمتني كثيرا، فهل لنا ان
نعيد علاقات الجيرة المفقودة، ضمن أضيق الحدود على
الاقل، لان قتل هذه العلاقة مصيبة من المصائب.. فلنتابع تحقيقنا...
هل الجيران جدران تحيط بنا فقط، لا نعرف عنهم سوى
تصميم بيوتهم الخارجية فقط، اما من يسكن بداخلها فالله اعلم؟
- نعم الجيران اليوم جدران تختلف الوانها واشكالها،
وفقدنا الاحساس بمن يسكن داخلها، فربما لو مات شخص
اليوم، لما عرف جاره عنه الا اذا فتح باب العزاء امام
ساحة المبنى من خلال ازدحام المعزين. فالجيرة التي كانت
اقوى من علاقة الاخوة باتت لا قيمة لها وتلاشت مع القيم
الكثيرة المفقودة في عصرنا «الميت».
ملح الطعام
الم ينقطع الملح يوما في بيتك او الخبز، او أي أمر بسيط
آخر، في فترة متأخرة من الليل تكون فيه المحلات مغلقة
ابوابها، واحتجت الى من تأخذ منه؟ الم تطرق باب جارك
لتحصل على أمر تحتاجه مهما كان بسيطا؟
- الانسان لا يمكن ان يستغني عن جاره، لكن هذا يتوقف
على اقتناع الطرف الآخر (الجار) ايضا بذلك. فليس مهما
فقط ان احب ان تكون لي علاقة حسنة مع جاره، ولكن
الأهم ان يبادله الشعور نفسه لنقيم مثل هذه العلاقة. ولكن
المصيبة اليوم ان الناس اغلقوا على انفسهم الابواب وآمنوا
بالمثل القائل «صباح الخير يا جاري انت في حالك وانا في حالي»..
قلق وخوف
- الجار اليوم اصبح مصدر قلق وخوف، حيث ان البعض
لا يأمن على اهله من جاره. وقد شدد الرسول الكريم
بالوعيد لكل من يشكل مصدر قلق لجاره «بالبصبصة»
و»التجسس»، خصوصا عندما لا يأمن على اسرته في
غيابه، حيث جعل عقوبة الزنى بالجار على سبيل المثال
عن سبعين جريمة زنى. ويقول الرسول
«والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا
رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه» لان الجار يتحمل
مسؤولية حماية عرض جاره في غيابه لا ان يهتكه.
وللأسف لا يحلو للبعض اليوم الا «البصبصة» على ابنة الجيران.
- انقطعت العلاقات بين الجيران نتيجة ضيق الوقت وايقاع
الحياة السريع وانشغال الناس عن بضعهم بالعمل على
فترتين، بالاضافة الى فقدان البساطة في استقبال للضيوف
حيث اصبحت الزيارات تتم بمواعيد مسبقة. ناهيك عن
الكلفة، حيث لم يعد الاستقبال كما كان في السابق، عندما
كان «الجود من الموجود»، اذ باتت الضيافة اليوم تحتاج
الى مصروف قد لا يكون بمقدور البعض تحمله.
هذا اضافة الى التكلف في الشكل والتصرف والابتذال في
الكلام ونوعية الاحاديث والغلو والتطرف في الاراء التي
تجعل التعامل صعبا، ليس بين الجيران بل حتى بين الاصدقاء.
- المغالاة والمبالغة في المظاهر والكشخة والتباهي امام
الآخرين أصبحت سمة العصر الحديث للأسف، وعليه
نقيس انهيار جميع العلاقات الانسانية.
فالعلاقات الاجتماعية مقطوعة، ليس بين الجيران فحسب،
انما حتى بين الاقارب نتيجة لهذه المبالغات الثقيلة والمرهقة
التي لا ادري ان كان المجتمع فرضها علينا، ام انها مشكلة
فرضناها على انفسنا. ففي تنافسنا من اجل ان نكون
الافضل، دمرنا كل ما في طريقنا من علاقات كان ممنوعا
الاقتراب منها بالخط الاحمر، واليوم اصبحت في خبر كان ومنها علاقات الجيران.
لكن رغم كل ذلك، فان الكبار في السن والاكثر نضجا في
التجارب هم الاكثر حفاظا على هذه العلاقات السامية، بينما
جيل اليوم يفتقد للاسف الشعور باهمية هذه العلاقات في
حياتنا ويتعامل مع جيرانه على انهم جدران.
- اننا نحتاج اليوم الى برامج توعوية مكثفة نوجهها الى
الجيل الحالي من خلال الاعلام والندوات والمحاضرات،
حتى ننعش الكثير من العلاقات المفقودة، وعلى رأسها
علاقتنا بالجيران والاقارب. وليس مهما ان يبدأ جاري في
التواصل معي، ولكن لأبادر انا بذلك، ولي الأجر والثواب.
ارق التحايا للجميع
جيران أم جدران؟