الحب على المحبين فرض ، وبه قامت السماوات والأرض ولم يدخل جنة الحب ، لن ينال القرب ، بالحب عبد الرب ، وترك الذنب ، وهان الخطب واحتمل الكرب ، عقل بلا حب لا يفكر ، وعين بلا حب لا تبصر ، وسماء بلا حب لا تمطر ، وروض بلا حب لا يزهر ، وسفينة بلا حب لا تبحر .
بالحب تتآلف المجرة ، وبالحب تدوم المسرة ، بالحب ترتسم على الثغر البسمة ، وتنطلق من الفجر النسمة ، وتشدو الطيور بالنغمة ، أرض بلا حب صحراء ، حديقة بلا حب جرداء ، ومقلة بلا حب عمياء ، وأذن بلا حب صماء !
الحب هو بساط القربى بين الأحباب وهو سياج المودة بين الأصحاب :
شكا ألم الفراق الناس قبلي *** وروع بالنوى حي وميت
وأما مثل ما ضمت ضلوعي *** فأني ما سمعت ولا رأيت !!
بالحب ترضع الأم وليدها ، وتروم الناقة وحيدها ، بالحب يقع الوفاق ، وبالحب يعم السلام ، والمودة والوئام .
بالحب يفهم الطلاب كلام المعلم ، وبالحب يسير الجيش وراء القائد ويتقدم ، وبالحب تذعن الرعية ، ويعمل بالأحكام الشرعية ، وتصان الحرمات ، وتقدس القربات .
بيت لا يقوم على الحب مهدوم ، وجيش لا يحمل الحب مهزوم ، لكن أعظم الحب وأجله ما جاءت به الملة ، أجمل كلمة في الحب قول الرب : (يحبهم ويحبونه ) . فلا تطلب حبا دونه
ليس حبا قطعة معزوفة *** من يراع الشاعر المتنحب
ما ( قفا نبكي ) هو الحب ولا *** ظيبة البان وذكرى زينب
إنما الحب دم تتزفــه *** في سبيل الله خير القرب
أو دمـوع ثرة تبعثهـا *** سحرا أصدق من قلب الصبي
أو سجـود خاشع ترسمـه *** فوق الطين فاسجد واقرب
أحب امرؤ القيس فتاة ، وأحب أبو جهل العزى ومناة ، وأحب قارون الذهب ، وأحب الرئاسة أبو لهب ، فأفلسوا جميعا ! ، لأنهم أخطؤوا خطا شنيعا . أما حب بلال بن رباح فهو البر والصلاح ؛ سحب على الرمضاء ، فنادى رب الأرض والسماء ، وانبعث من قلبه ( أحد أحد ) ، لأن في القلب إيمانا كجبل أحد
إذا كان حب الهائمين من الورى
بليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا
فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي
سرى قلبه شوقا إلى العالم الأعلى ؟!
الحب لا يعترف بالألوان ولا بالأوطان ، والدليل بلال وسلمان ؛ بلال أبيض القلب أسود البشرة ، فصار بالحب مع البررة ، وأبو لهب بالبغض ليس من أهل البيت ، وسلمان نال بالحب جائزة : ( سلمان من أهل البيت ! ) .
دعني من حب مجنون ليلى ، ومحبوب سلمى ، ومعشوق عفرا ، فلطالما لطخت بأشعارهم الطروس ، وضاقت بأخبارهم النفوس ، وخدعت بقصائدهم الأجيال واتبعهم الضلال ، وحدثني عن أنباء الأنبياء ، وهم من أجل حب الرب يهجرونه الأباء والأبناء ؛ فإبراهيم يتبرأ من أبيه ، ونوح من بنيه ، وامرأة فرعون تلغي بنفسها عقد النكاح ؛ لأن البقاء مع الكافر سفاح .
هذا هو عالم الحب بتضحياته ، بأفراحه وأتراحه ، وهو حب يصلك برضوان من رضاه مطلب ، وعفوه مكسب .
والله ما نظرت عيني لغيركم
يا واهب الحب والأشواق والمهج
كل الذين رووا في الحب ملحمة
في آخر الصف أو في أسفل الدرج !
امرؤ القيس يصيح في نجد وقد غلبه الوجد ، ( قفا نبك )،
فإذا بكاؤه على الأطلال ، وإذا دموعه تسفح على الرمال ، وإنه هيام العقل بلا وازع ، وحيرة الإنسان بلا رادع ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يذوق الويلات ، ويعيش النكبات ، ثم ينادي مولاه في مناجاة وإخبات ، ويقول : " لك العتبى حتى ترضى " !.
لا تضع عمري بشعر طرفة العبد وهو يشكو الحب والصد ، حب ماذا يا هذا ؟ !. . أما علمت أن أحد الأنصار ، كان يقرأ (قل هو الله أحد ) بتكرار ، فسئل عن المقصود ، قال : لأن فيها مدح المعبود ، وأنا أحب تلك البنود ، فدخل الجنة بالمحبة ، لأن الله احبه ...
دعني أمسح فوق الروض أجفاني
فالنار موقدة من حر أشجاني
نسيت في حبكم أهلي ومنتجعي
فحبكم عن جميع الناس ألهاني !
شغلونا بالروايات الشرقية والمسرحيات الغربية ، ويل هذا الجيل ويله !.. سهر مع غراميات ألف ليلة وليلة ، وفي الذكر المنزل والحديث المبجل قصص الحب الصادقة ، والمعاني الناطقة ، ما يخلب اللب ، ويستميل القلب .
أخرجونا يا قوم من ظلمات عشق الأعراب ، والهيام في الأهداب ، فكل ما فوق التراب تراب ، الذي تطير له الأرواح ، وتهتز له الأشباح ، في ملكوت الخلود ، وعلى بساط رب الوجود .
بكت عيني غداة البين دمعا
وأخرى بالبكا بخلت علينا
فعاقبت التي بالدمع ضنت
بأن أغمضتها يوم التقينا
دع حب هؤلاء فإنهم مرضى ، وتعال إلى الواحد وناد : (عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)
فأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً )
في حالة البعد نفسي كنت أرسلها *** تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت *** فامدد يمينك كي تحظي بها شفتي
حمزة سيد الشهداء يمزق بالحب تمزيقاً، وأنتم تهيمون بروايات غرامية لفقت ، نقول حدثونا عن الحب عند ابن عباس ، فتذكرون لنا عشق أبي نواس! كفي جفاء ، فأما الزبد فيذهب جفاء!!
حب طلحة والزبير أعظم من شكسبير؛ لأن حبهم سطر في (بدر) لمرضاة القوي العزيز، وحب شكسبير كتب في شوارع لندن لمراهقي الإنجليز.
إن كنت يا شاعر الغرب كتبت رواية الحب بالحبر، فالصحابة سجلوا قصص المحبة بدم الصبر.
ومن عجب أني أحن إليـهم *** فأسال عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادهـا *** ويشتاقهم قلبي وهم بين ضلوعي
لا تدري ربما عذبت بحيك، وكنت عنك عند ربك( هذا فراق بيني وبينك)! ونحن نسمع من أجل امرأة بكاءك وأنينك.
ولما جعلت الحب خدنا وصاحباً *** تركت الهوي والعشق ينتحبان
فلا تسمعني(شكسبير) ولهوه *** ورنة عود أو غناء غواني
فلي في رحاب الله ملك ودولة *** أظن الضحي والليل قد حسداني!
كلما خرج علينا شاعر مخمور، فاقد الشعور ، حفظنا شعره في الصدور ، وكتبناه في السطور ، وقلنا: يا عالم هذه قصصنا الغرامية، ونسينا رسائلنا الإسلامية ، وفتوحاتنا السماوية ، التي أهلت الإنسانية.
علمني الحب من سورة الرحمن، ولا تكدر خاطري بهيام ( يا ظبية البان) ، أنا ما أحب لغة العيون، ولكن أحب لغة القلوب، ولا أتبع فلتات أبي نواس والمجنون ، ولكني أرتع في رياض الكتاب المكنون)وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ).
ومعنفي في الحب قلت له: أتئد *** فالدمع دمعي والعيون عيوني
الحب الصادق في جامعة (إن المسلمين والمسلمات)، والغرام الرخيص في مسرح الفنانين والفنانات. استعرض نصوص الحب في وثيقة الوحي المقدس، لتري فيها حياة الأنفس، فالحب السماوي يدعو العبد إلي حياة مستقيمة، ليجد فضل الله ونعيمه، أما الحب الأرضي فإنه يقتل الإنسان ويجعله بلا قيمة.
أرق علي أرق ومثلي يأرق *** وجوي يزيد وعبرة تترقرق
جهد الصبابة أن تكون كما أري *** عينا مسهدة وقلباً يخفق
حب العز عند فرعون ، وحب الكنز قارون، أما حب الجنة ، فعند أبطال السنة، الذين حصلوا علي اعظم منة. الجعد بن درهم ذبح علي الابتداع، وأنت تبخل بدمعة في محراب الاتباع.
أتريد من الجيل أن يحب الملك العلام، ويصلي خلف الإمام، ويحافظ علي تكبيرة الإحرام، وأنت تحفظه رباعيات الخيام، ليبلغهم رسالة لا بعث ولا نشور؟ أعوذ بالله من تلك القشور!.. يا حاج ..! أين حملة المنهاج؟ وأنت من أحرص الناس علي حياة ، فبماذا تدخل الجنة يا أخاه؟!
من تداجي يا إبراهيم ناجي، ومن تكلم ومن تناجي؟ تقول: يا فوادي رحم الله الهوي، بل قتل الله الهوي!.. من يشارك في ثورة الخبز، لا يحضر معركة العز ، لما نسيت الأمة حب القلوب، واشتغلت بحب البطون، رضيت بالدون، وعاشت في هون.
)وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .
هل عند الأمة فراغ في الأزمان ، تسمع صوت الحرمان، وهو ينادي:
باد هواك صبرت أم لم تصبــروا *** وبكاك إذ لم يجر دعك أو جري
نحن بحاجة إلي صوت خبيب بن عدي وهو يلقي قصيدة الفداء، علي خشبة الفناء، في إصرار وإباء ، وصبر ومضاء:
ولست أبالي حين أقتل مسلمـــــاً *** علي أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشــــأ *** يبارك علي أشلاء شلو ممزع
بارك الله فيك وفي أشلائك يا خبيب ،فأنت إلي قلوبنا حبيب: ) وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه) اللهم اجعلنا ممن يحبك ويحب من يحبك، ليؤنسنا قربك، اللهم ازرع شجرة حبك في قلوبنا، لنري النور في دروبنا، وننجو من ذنوبنا ، ونطهر من عيوبنا.
أحبك حباً ليس فيه غضاضــة *** وبعض مودات الرجال سراب
وأمحضتك الحب الصحيح وفي الحشا *** لودك نقس ظاهر وكــتاب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
وإن تعجب فعجب أن تري شاعراً بائساً ، يشكو طللاً دراساً ، فهو يبكي من نار الغرام ، ويشكو ألم الهيام، ولو سافرت روحه في عالم الملكوت ، لصار حبه عنده كالقوت. ولو أدرك عنترة الإسلام ما كبا، وما قال: اذكري يا عبل أيام الصبا.
جرير يشكو العيون السود، وبشار يشكو الصدود ، والشريف الرضي يشكو فتنة الخدود، وكأن الحياة لديهم اختصرت في امرأة حسناء، ووكأن العمر يتسع لهذا الهراء، ويحسبون أن الناس من أجلهم تركوا المنام، وهجروا الطعام..إذا افتخرنا علي الغرب بأن لدينا نساء حسناوات، وفتيات فاتنات ، قالوا لنا: عندنا في ذلك مسارح ومسرحيات، ومغامرات وغراميات، لكن فخرنا علي الناس أن لدينا رسالة ملأت الكون نوراً، والعالم حبوراً، والدنيا طهوراً.
نحن الذين ملأنا جــونا كرمـــاً *** وقد بعثنا علي قرآننا أممـا
والعــالم الآخــر المشبوه في ظلم *** من يعبد الجنس أو من يعبد الصنما