أنواع الشكر:
ذكر الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنواع الشكر فقال :
1- الشكر بالقلب:
والشكر لله سبحانه على نعمة التوحيد وغيرها من النعم من أعظم الواجبات وأفضل القربات ، وهو يكون بقلبك محبة لله وتعظيما له ومحبة فيه وموالاة فيه . . . شوقا إلى لقائه وجناته ، فهو سبحانه العالي فوق خلقه والمستوي على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته ، وليس المعنى استولى كما تقول المبتدعة من الجهمية وغيرهم ،
ومن الشكر بالقلب لله أيضا محبة المؤمنين والمرسلين وتصديقهم فيما جاءوا به ولا سيما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ، كما قال سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }ومن الشكر بالقلب أيضا أن تعتقد جازما أن العبادة حق لله وحده ولا يستحقها أحد سواه .
ومن الشكر لله بالقلب الخوف من الله ورجاؤه ومحبته حبا يحملك على أداء حقه وترك معصيته وأن تدعو إلى سبيله وتستقيم على ذلك .
ومن ذلك الإخلاص له والإكثار من التسبيح والتحميد والتكبير .
ومن الشكر بالقلب الإخلاص لله ومحبته والخوف منه ورجاؤه كما تقدم والشكر لله سبب للمزيد من النعم كما قال سبحانه : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ومعنى تأذن : يعني أعلم عباده بذلك وأخبرهم أنهم إن شكروا زادهم وإن كفروا فعذابه شديد ، ومن عذابه أن يسلبهم النعمة ، ويعاجلهم بالعقوبة فيجعل بعد الصحة المرض وبعد الخصب الجدب وبعد الأمن الخوف وبعد الإسلام الكفر بالله عز وجل وبعد الطاعة المعصية .
2- ومن الشكر أيضا الثناء باللسان وتكرار النطق بنعم الله والتحدث بها والثناء على الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الشكر يكون باللسان والقلب والعمل. وهكذا شكر ما شرع الله من الأقوال يكون باللسان .
3- وهناك نوع ثالث وهو الشكر بالعمل . . . بعمل الجوارح والقلب؛ ومن عمل الجوارح أداء الفرائض والمحافظة عليها كالصلاة والصيام والزكاة وحج بيت الله الحرام والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال كما قال تعالى: { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } الآية .
فمن شكر الله عز وجل أن تستقيم على أمره وتحافظ على شكره حتى يزيدك من نعمه ، فإذا أبيت إلا كفران نعمه ومعصية أمره فإنك تتعرض بذلك لعذابه وغضبه ، وعذابه أنواع؛ بعضه في الدنيا وبعضه في الآخرة . اهـ كلام الشيخ رحمه الله
مقام الشكر :
ومقام الشكر جامع لجميع مقامات الإيمان ولذلك كان أرفعها وأعلاها وهو فوق الرضا وهو يتضمن الصبر من غير عكس ويتضمن التوكل والإنابة والحب والإخبات والخشوع والرجاء فجميع المقامات مندرجة فيه لا يستحق صاحبه اسمه على الإطلاق إلا باستجماع المقامات له ولهذا كان الإيمان نصفين نصف صبر ونصف شكر والصبر داخل في الشكر فرجع الإيمان كله شكرا والشاكرون هم أقل العباد كما قال تعالى وقليل من عبادي الشكور
كتاب مدارج السالكين، الجزء 1، صفحة 137.
درجات الشكر :
فصل قال : وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى : الشكر على المحاب
وهذا شكر تشاركت فيه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس ومن سعة رحمة الباري سبحانه : أن عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب فيه المثوبة إذا علمت حقيقة الشكر وأن جزء حقيقته : الاستعانة بنعم المنعم على طاعته ومرضاته : علمت اختصاص أهل الإسلام بهذه الدرجة وأن حقيقة الشكر على المحاب ليست لغيرهم
نعم لغيرهم منها بعض أركانها وأجزائها كالاعتراف بالنعمة والثناء على المنعم بها فإن جميع الخلق في نعم الله وكل من أقر بالله ربا وتفرده بالخلق والإحسان فإنه يضيف نعمته إليه لكن الشأن في تمام حقيقة الشكر وهو الاستعانة بها على مرضاته وقد كتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية رضي الله عنه إن أقل ما يجب للمنعم على من أنعم عليه : أن لا يجعل ما أنعم عليه سبيلا إلى معصيته .
وقد عرف مراد الشيخ وهو أن هذا الشكر مشترك وهو الاعتراف بنعمه سبحانه والثناء عليه بها والإحسان إلى خلقه منها وهذا بلا شك يوجب حفظها عليهم والمزيد منها فهذا الجزء من الشكر مشترك وقد تكون ثمرته في الدنيا بعاجل الثواب وفي الآخرة : بتخفيف العقاب فإن النار دركات في العقوبة مختلفة
كتاب مدارج السالكين، الجزء 2، صفحة 253.
فصل قال : الدرجة الثانية : الشكر في المكاره وهذا ممن تستوى عنده
الحالات : إظهارا للرضى وممن يميز بين الأحوال : لكظم الغيظ وستر الشكوى ورعاية الأدب وسلوك مسلك العلم وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة
يعني أن الشكر على المكاره : أشد وأصعب من الشكر على المحاب ولهذا كان فوقه في الدرجة ولا يكون إلا من أحد رجلين : إما رجل لا يميز بين الحالات بل يستوي عنده المكروه والمحبوب فشكر هذا : إظهار منه للرضى بما نزل به وهذا مقام الرضى
الرجل الثانى : من يميز بين الأحوال فهو لا يحب المكروه ولا يرضى بنزوله به فإذا نزل به مكروه شكر الله تعالى عليه فكان شكره كظما للغيظ الذي أصابه وسترا للشكوى ورعاية منه للأدب وسلوكا لمسلك العلم فإن العلم والأدب يأمران بشكر الله على السراء والضراء فهو يسلك بهذا الشكر مسلك العلم لأنه شاكر لله شكر من رضي بقضائه كحال الذي قبله فالذي قبله أرفع منه
وإنما كان هذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة : لأنه قابل المكاره التي يقابلها أكثر الناس بالجزع والسخط وأوساطهم بالصبر وخاصتهم بالرضى فقابلها هو بأعلى من ذلك كله وهو الشكر فكان أسبقهم دخولا إلى الجنة وأول من يدعى منهم إليها
وقسم أهل هذه الدرجة إلى قسمين : سابقين ومقربين بحسب انقسامهم إلى من يستوي عنده الحالات من المكروه والمحبوب فلا يؤثر أحدهما على الآخر بل قد فني بإيثاره ما يرضى له به ربه عما يرضاه هو لنفسه وإلى من يؤثر المحبوب ولكن إذا نزل به المكروه قابله بالشكر
( كتاب مدارج السالكين، الجزء 2، صفحة 254)
فصل قال : الدرجة الثالثة : أن لا يشهد العبد إلا المنعم فإذا شهد
المنعم عبودية : استعظم منه النعمة وإذا شهده حبا : استحلى منه الشدة وإذا شهده تفريدا لم يشهد منه نعمة ولا شدة
هذه الدرجة يستغرق صاحبها بشهود المنعم عن النعمة فلا يتسع شهوده للمنعم ولغيره
( كتاب مدارج السالكين، الجزء 2، صفحة 255 ).
المراجع
1- كتاب مدارج السالكين .
2- مجموع فتاوى ومقالات_الجزء الخامس