التعليم عن طريق التلقين هو وسيلة للقمع
أسلوب التعليم السائد في العالم العربي يعود الطالب على الترديد والحفظ، والخضوع للسلطة، ولا يساعده على البحث والإبداع.
لا زالت الخرافة والتقاليد تتحكم في سلوك ونظرة الإنسان العربي المتعلم والقارئ وحتى الحائز على شهادات جامعية مختلفة. وبالتالي نلمس دائماً نوعاً من الازدواجية في شخصية العربي بين دور التعليم من جهة ودور الخرافة من جهة أخرى.
ولم يتحد التعليم بالشخصية العربية بعد، بل ظل في الكثير من الأحوال قشرة خارجية تنهار عند الأزمات لتعود الشخصية إلى نظرتها الخرافية. ولا شك أن العلة تكمن في نوعية التعليم وآليته في الوطن العربي ومدى تأثيره على تغيير الذهنية، فالمعرفة والحقائق لدى كثير من المثقفين والباحثين في الوطن العربي، فضلاً عن القارئ العادي، هي ما يقوله آخر حديث استمعوا له أو كتاب قرءوه، مما يدل على تقبل العقل العربي للمشاهد الفكرية بشكل مشابه لتقبل الرضيع للمشاهد الحسية البصرية دون إدراك اللاحق أو السابق منها.
إن الاستعداد للتلقي تتعلمه الذات العربية سواء عن طريق البيت أم المدرسة، وهو الأسلوب الوحيد في التعليم والتربية. والاهم ان نوعية ما يلقن او يدرس لم يعمل على تغيير عقلية المواطن العربي، ولم يحرره من عناصر التواكل والتلقي والخنوع.
والسبب في ذلك يرجع إلى طرق التدريس والتقييم، حيث ان الأستاذ هو المصدر الوحيد للمعرفة والتلميذ في وضعية المتلقي المستهلك ناهيك عن غياب محيط ثقافي متنور يحفز على المبادرة والخلق، الأمر الذي يترتب عليه فصل تام بين ما يكتسب في الأمكنة التعليمية والواقع اليومي.
ولا زال التعليم في مختلف مراحله وبشكل إجمالي سطحياً في معظم البلدان العربية في طرقه وفي محتوياته. ولا تزال طرق التعليم تلقينية إجمالاً تذهب في اتجاه واحد من المعلم، الذي يعرف كل شيء ويقوم بالدور النشط، الى التلميذ الذي يجهل كل شيء، فيفرض عليه دور التلقي الفاتر دون أن يشارك أو يناقش أو يمارس، ودون أن يعمل فكره فيما يلقن.
والتلقين من حيث هو طريقة تسلطية في التعليم تجعل التلميذ يستجيب باكتساب عادة الصم (أي الدراسة بالاستظهار). وما يدرسه الطفل بهذه الطريقة يحفظه كما هو، بمعنى أنه لا يتأثر بموضوع التعلم لأنه لا يهتم بفهمه وإدراكه بل باستنساخه وحفظه.
وبالطبع لا تساعد هذه الطرق على اكتساب الطفل التفكير النقدي الجدلي.. إنه في أحسن الأحوال يحفظ العلم دون أن يستوعبه، او يحفظ الامتحان دون أن تعد شخصيته بشكل علمي. وتصبح المعرفة بهذه الطريقة بالضرورة معرفة مجردة مطلقة ليس لها سوى علاقة واهية بتجارب الحياة اليومية.